الملك والكعك

   في سالف الزمان كان يعيش في بلاد الإنكليز ملكٌ حكيم صالح يسمى "الفراد" كان شديد الإخلاص والمحبّة لشعبه، وقد قام بأعمال جليلة لإسعاد مملكته ولم يساوه في صلاحه ملك من الملوك، وصار موضوعًا لحديث الناس عامّة وسمّوه "الفراد العظيم".

   لم يكن الملوك في ذلك الزمان ينعمون برغد العيش والطمأنينة، إذ كانوا في حروب لا تهدأ رحاها مع أعدائهم  مما صيّرهم قادة عسكريّين ذوي خبرة وحنكة لا يعدلهم أحد في الفنون العسكريّة، وكان وقتهم هكذا وقفًا على الحكم حينًا وعلى الحرب تارةً.

   وكان في ذلك الردح من الزمن شعب شرس الطبائع، وحشيّ الأخلاق، قويّ الأجساد اسمه الشعب الدانمركيّ هاجم بلاد ملك الإنكليز "الفراد" وانتصر عليه في معظم المعارك التي خيضت، وتعرّضت مملكته وأرضه للضياع وفقدان الحرّيّة والذلّ وأوشك العدوّ أن يبيت سيّدًا على البلاد بكاملها.

   استمرّت الحال على هذا المنوال وقتًا، نشبت في نهايته معركة كبيرة التحم فيها الجيشان المتحاربان التحامًا داميا ومرّا وانكسر الإنكليز وتشتّتوا شذر مذر، وهرب كلٌّ من مقاتليهم إلى ناحية من نواحي البلاد. أمّا الملك فقاده طالعه إلى مقاطعة كلّها أحراش ومستنقعات، فأخذ يسير وحيدًا حتّى وصل في خاتمة النهار إلى كوخ حطّاب وهو منهوك القوى مُضنىً من التعب والجوع، فطلب من امرأة صاحب الكوخ قوتًا يسدّ به ألم السغب، ومأوى يلجأ إليه ويبيت فيه آمنًا؛ وكانت المرأة تلك تخبز كعكًا على موقدها، فنظرت إلى الطالب الفقير، وقد بدت على وجهه علامات الجوع والشقاء والإعياء، نظرة الحنوّ والعطف ولم يخطر ببالها قطّ احتمال أن يكون الملك.

    وقالت له: - نعم سأقدم لك طعامًا لعشائك على شريطة أن تراقب لي هذه الكعكات، إنّي منصرفة إلى بقرتي لأحلبها فاحرس النار وراقبها حتّى لا تلتهم هذا الزاد الملقى على الموقدة وسأعود إليك بدون إبطاء.

   كان الملك المتنكّر "الفراد" شديد الرغبة في حراسة ومراقبة ما طُلب إليه. لكنّه كان منشغل البال بأشياء كثيرة وأمور مهمّة متعلّقة بجيشه الذي تمزّق شرّ ممزّق، وبالخطّة التي ينبغي أن يجمعه بها ثانية ويطرد العدوّ الغازيّ وطنه، فنسي جوعه المضني والكعك الموكل إليه أمر مراقبته وسلامته، وأنّه في كوخ حطّاب، وأشغل عقله في إيجاد الخطط الحربيّة استعدادًا للعمل في صباح الغد.

   ولمّا عادت المرأة بعد وقت وجيز، شاهدت كعكاتها تحترق، والدخان يتصاعد منها، فاستولى عليها غيظ لم تكظمه وصرخت في وجه الضيف المسكين قائلة: الويل لك أيّها الرجل الكسول! انظر ما صنع إهمالك، انظر ما صنعت! تريد منّي شيئًا تأكله ولكن لا تريد أن تبدي أي اهتمام ولا أن تشتغل أو تبذل أي جهد!

   قد زعم البعض أنّ المرأة المغتاظة تناولت عصًا وضربت بها الملك، لكن يصعب التصديق أنّها قد شرست بهذا المقدار، حتّى تقوم بعمل قاسٍ كهذا. على كلّ ضحك الملك في نفسه، عند افتكاره بتوبيخ المرأة له بهذا الأسلوب القبيح، وكظم غيظه لأنّ جوعه منعه من الاكتراث بغضبها الصاخب وكلامها القارص.

   لا ندري إذا كان الملك قد حصل، في تلك الليلة، على زاد يتغذّى به ويسدّ به رمق الجوع أو أنّه ذهب إلى مبيته من دون عشاء؛ غير أنّه ما أن انصرمت بضعة أيام حتّى جمع رجاله المشتّتين وضمّ شملهم وحارب الدانمركيّين وكسرهم في معركة كبيرة طاحنة.             

                                     ترجمة  يوسف س. نويهض